الأحد، 20 أبريل 2008

صندوق الأحلام الجميلة - السوبكوماندانتي ماركوس

ألقى السوبكوماندانتي ماركوس (Subcomandante Marcos) هذه الكلمة أمام أعضاء "منظّمة الفلاحين والسكّان الاصليين" في مدينة توكسبان، الواقعة في ولاية خاليسكو المكسيكيّة، في آذار من العام 2006 ونشرت في صحيقة "لاخورنادا" المكسيكيّة اليساريّة. ماركوس هو الناطق بلسان الجيش الزاباتي للتحرر الوطني (EZLN - Ejército Zapatista de Liberación Nacional) في ولاية شياباس جنوب المكسيك، الذي انتفض ليلة رأس السنة من العام 1994 ليعلن الحكم الذاتي للعديد من القرى في جبال شياباس التي يقطنها السكّان الاصليّون (اي من يطلق عليهم اسم "الهنود الحمر") المنتمين لحضارة المايا. تاريخ انطلاقة الانتفاضة ليس صدفة؛ الاوّل من كانون الثاني 1994 هو اليوم الذي اصبحت اتفاقية الاقتصاد الحرّ ("NAFTA") الموقّعة بين لحكومة المكسيكيّة وحكومة الولايات المتّحدة سارية المفعول بشكل رسميّ.



عندما يحدّثنا أجدادنا عن آلهتنا الاولى، أي عن الالهة التي خلقت عالمنا، يقولون لنا أنّ الآلهة خلقته بتوافق شبه تام بينها. ما يقصده أجدادنا هو بأن كلّ شيء كان شبه متساو: لم يكن لا فوق ولا تحت، ولا ملكيّة على الأراضي ولا حتى الورق والمال لتقسيمها واتلافها. كذلك يحدّثنا أجدادنا عن الرجال والنساء الأوائل التي صنعتهم تلك الآلهة ويقولون لنا بأنّهم صُنعوا من نبات الذّرة، والذي هو سبب قداسة هذه النبتة في هذه البلاد (*). كان عمل الآلهة شاقًّا جدًا، ولذلك عندما تعبت قرّرت الاستراحة على جنب طريق الخليقة، فأتت من بعدهم آلهة أخرى وهكذا دواليك. خلال كل هذه الفترة كان عالمنا يسير بالاتّجاه الصحيح: هبوط نحو القاعدة.


في يوم من الأيّام أصيبت الآلهة باضطراب وحزن شديدين، فقد اكتشفت أمرًا يثير القلق ولهذا دعت الى اجتماع عام يحضره جميع الرجال والنساء. بعد ان احتشد الجميع كانت الكلمة لأحد الآلهة المضطربة فباشر بالقول: "نحن في ورطة؛ يبدوا ان الآلهة الاولى، هؤلاء الذين صنعوكم من نبات الذّرة، نست اتمام إحدى مهمّاتها وهي اعلامكم بأنّ الغشّ والخداع سوف تقطن هذه البلاد يوما ما". حدّثت الآلهة الرجال والنساء عن اليوم الآتي الذي سيتعرّفون فيه على المال. قالت الآلهة: "في هذا اليوم سيكفّ النهار عن الوجود؛ بينما الليل سيظلّ ليلا وسيصبح الصباح ليلا، ولكن بسبب الغشّ الذي سيقطن بينكم ستحسبونه صباحا. سيأتي من يدّعي بانّه صاحب هذه البلاد، وأكثر من ذلك سوف يخبركم بأنّ العالم هو دائما على ما هو ولا يوجد سبيل لتغييره. أنتم، السكّان الاصليون لهذه البلاد ومن صُنع من نبات الذّرة، ستعيشون وسط هذا الخداع والغشّ قرونا عديدة؛ سيبدو لكم الكذّاب صادقًا وستبكي نساؤكم ورجالكم وكباركم وصغاركم". قالت الآلهة انّه من المستحيل منع قدوم ذلك اليوم الذي سيحمل الغشّ والخداع، واعترفوا بانّهم على غير معرفة متى سيأتي وكيفيّة التخلّص منه. كان هناك هدوء تام بين الرجال والنساء في الاجتماع العام.


بالرغم من الحزن والاضطراب الذي أصاب الحضور تمكّنت الآلهة والرجال والنساء بالتوصّل الى اتّفاقيّة؛ اليكم تفاصيلها: عند قدوم ذلك اليوم الذي به سيكون النهار كذبة، ستقول الآلهة بانّ الشّمس ذهبت للنوم ويجب ايقاظها. من أجل ايقاظ الشمس، على الرجال والنساء التمتّع بالامور التالية: الاحلام الجميلة، والذاكرة الجيّدة، وروح النضال. أمّا بالنسبة للرجال والنسّاء، فعليهم الاتفاق فيما بينهم على من هم الاكثر شجاعة وصرامة وحكمة ليكونوا، عندما يأتي ذاك اليوم، حرّاسا تمكّنهم الآلهة بالحلم بالنهار حين سيعمّ الظلام في هذه البلاد. فحذّرت الآلهة وكرّرت: الخطر الاساسي هو ليس الغشّ والخداع، بل هو الظنون بأنّ الوضع الذي سيكون عليه الرجال والنساء هو أبدي ولا سبيل لتغييره، ولذلك من الضروري أن يكون بينكم من بمقدرته الحلم بيقظة الشمس وتساوي كل الاشياء.


لم يتمكّن الرجال والنساء من الاتفاق فيما بينهم على من هم الاكثر شجاعة وصرامة وحكمة، فكان الكثير من بينهم من ادّعى ذلك. فلذلك قُبل اقتراح الآلهة بان تقوم هي نفسها بعمليّة الاختيار، وهكذا تمّ اختيار مسنّ ومسنّة وقالت عنهم الآلهة: "انّهما الاكثر شجاعة وصرامة وحكمة من بينكم؛ سوف يحرسا الاحلام الجميلة في بشرتهما، وعندما يأتي اليوم الذي فيه ستوقظون الشمس سيكون من بينكم من هم على معرفة بكيف على العالم أن يكون". أخذت الآلهة بوضع الاحلام الجميلة في أيدي المسنّ والمسنّة ووجههما وجسمهما، وهكذا أخذت التجاعيد تظهر عليهما وأصبحت بملامح تذكّر الناس بوجود الاحلام الجميلة. لكن لم تسع اجسامهما للاحلام كلّها، فاختارت الآلهة امرأة ووضعت الاحلام الجميلة في شعرها، ومنذ ذلك الحين يعتبر السكّان الاصليين النساء ذات جدايل الشعر كالأكثر شجاعة وصرامة وحكمة.


وهكذا جاء ذلك اليوم المرتقب؛ لقد جاء مع قدوم الاسبان الى هذه البلاد وغزوها واستعمارها. منذ مجيئهم حدثت الكثير من الاشياء: كانت هناك اعلانات بالاستقلال عن الاوروبيين، كانت ثورات... أمّا بالنسبة لنا، نحن السكّان الاصليين لهذه البلاد، فقد بقينا على أنفسنا مستغَلّين يسبب لغتنا ولون بشرتنا ووجدانيّتنا. تصرخ العجائز والنساء القاطنات في جبال بلادنا المكسيك انّه قد حان الوقت لايقاظ الشمس، لتنقيب تجاعيد العجائز ولفكّ جدايل شعر النساء حتى تنطلق الاحلام الجميلة من صناديقها. انّهم يحذروننا: ان لم نقم بذلك الآن، قد لا تبقى أراضٍ لنفلحها ولنحبّها؛ ان لم نستيقظ نحن من كابوس الغشّ والخداع لن يبقى لنا شيء لنناضل من أجله.


--------------------


(*) الاشارة هنا الى كتاب البوبول فوه (Popol Vuh)، من آخر ما تبقّى من مكتوب لحضارة المايا قبل غزوها من قبل الاسبان في القرن السادس عشر، حيث امرت الكنيسة الكاثوليكيّة الغزاة الاسبان بحرق كل ما هو مكتوب من قبل السكّان الاصليّين في "العالم الجديد". في هذا الكتاب يحكى ان الآلهة خلقت الانسان أولا من الوحل، ثانيا من الخشب وأخيرا من نبات الذرة حتى اذ قدر الانسان على الكلام والتحرّك.


المصدر:


صحيفة لا خورنادا (La Jornada) - المكسيك http://www.jornada.unam.mx/


(عن الإسبانية: شادي روحانا)

الجمعة، 11 أبريل 2008

مناحم بيغن وأريئيل شارون: لهما جائزة نوبل للموت!

غابرييل غارسيا ماركيز
كُتبت هذه المقالة في أعقاب ارتكاب مذبحة صبرا وشتيلا ونشرتها صحيفة "ال اكسبرسو" الإكوادورية في 1982/10/3.

منح جائزة نوبل للسلام لمناحم بيغن هو أمر لا يصدّق. المهم أن بيغن هو فعلا صاحب هذه الجائزة ولا سبيل الآن لتبديل ما حدث؛ فهو صاحب الجائزة منذ منحه إياها عام 1978 مع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات عند توقيعهما، على انفراد، اتفاقية السلام في كامب ديفيد. لم يحظ الاثنان بنفس المصير: فمصير السادات كان التبرّؤ الفوري منه في العالم العربي، ولاحقا قتله؛ أمّا بالنسبة لبيغن، فالاتفاقيّة خوّلت له المباشرة بمشروع استراتيجي لم يختتم بعد، والذي أشبع قبل أيام قليلة بمجزرة وحشيّة لأكثر من ألف لاجئ فلسطيني في احد مخيّمات بيروت. لا توجد جائزة نوبل للموت، ولكنّها إذا وُجدت فقد تُمنح هذا العام، وبدون منافسة، لمناحيم بيغن وسفّاحه المحترف أريئيل شارون.
اليوم، وبعد تكشّف الأحداث، نستطيع فهم غاية بيغن الوحيدة والمتستّرة خلف ستار كامب ديفيد: القضاء على منظّمة التحرير الفلسطينيّة و بناء مستعمرات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية. بالنسبة لنا- نحن الذين بوسعنا تذكّر ممارسات النازيّة- مشروع بيغن يعتمد على ركيزتين تثيران لدينا ذكريات فظيعة: نظريّة "المجال الحيوي"، التي أراد بها النظام النازي أن يبسط إمبراطوريته على امتداد نصف العالم؛ وأما الركيزة الثانية فهي ما سمّاه هتلر بـ"الحل النهائي" لمشكلة اليهود، والتي حملت بأكثر من ستة ملايين من البشر إلى معسكرات الإبادة.
مشروع اتّساع رقعة المجال الحيوي لدولة إسرائيل ومشروع الحل الأخير للقضية الفلسطينيّة- كما يفهمهما صاحب جائزة نوبل للسلام للعام 1978- بدءا في ليلة 5 حزيران الأخيرة؛ في تلك الليلة، اجتاحت لبنان قوّات عسكريّة مختصّة في علم الدمار والإبادة. إستراتيجية بيغن واضحة اشدّ الوضوح: هو يريد القضاء على منظمة التحرير الفلسطينيّة، وبهذا يقضي على الشريك الفلسطيني الوحيد الذي بإمكانه التفاوض على إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، أراضي التي سبق بيغن وأعلنها كأراضٍ يهوديّة.
كنت في باريس يوم اجتاحت الجيوش الإسرائيلية لبنان. كنت هناك أيضا عندما قام الجنرال جاروزلسكي، قبل عام، بفرض القوّة العسكريّة ضد إرادة الأغلبيّة من الشعب البولندي. وصدفة وجدت نفسي أيضا هناك عندما اجتاحت الجيوش الأرجنتينية جزر المالفيناس ("الفوكلاند"). تصرّف وسائل الإعلام، والمثقّفين وكذلك الرأي العام خلال هذه الأحداث أظهر لي معادلة مقلقة: بينما نُظّمت في باريس أمسية تضامن مع بطولة الشعب البولندي (وكنت أنا من الموقعين على بطاقة الدّعوة)، كان هناك شبه إجماع على الصمت عندما قامت الجيوش الإسرائيلية الدمويّة باجتياح لبنان (وكان الصمت حتى بين الأكثر متحمّسين لقضيّة بولندا، على الرغم من أنه من المستحيل مقارنة عدد الضحايا وحجم الدمار بين بولندا ولبنان). أكثر من ذلك، فعندما استردّت الأرجنتين جزر المالفيناس من بريطانيا لم تنتظر الأمم المتحدة يومين على أن تطلب من القوّات الأرجنتينيّة الانسحاب، وكذلك لم تفكّر السوق الأوروبية مرّتين قبل فرض عقوبات اقتصاديّة على الأرجنتين، وفي المقابل، في حالة لبنان، لا الأمم المتّحدة ولا السوق الأوروبي طالبا بانسحاب الجيوش الإسرائيلية. حذر الاتّحاد السوفييتي غير المفهوم وانعدام الأخويّة بين الدول العربيّة شكّلا جاهزيّة وجود الشروط الكافية للحرب الوحشيّة التي شنّها بيغن والجنرال شارون. لدي العديد من الأصدقاء الذين أرادوا ويريدون إسماع العالم بأسره صرخة قويّة ضد "كرنفال الدم" في لبنان، ولكنّهم يهمسون لي خوفهم من توجيه تهمة اللاساميّة لهم؛ هل يعي هؤلاء بأنّهم هكذا يسلّمون أرواحهم لابتزاز غير مقبول؟
لنقل الحقيقة: لا يوجد أي شعب في العالم بقي لوحده مثلما بقي الشعبان اليهودي والفلسطيني لوحدهما وسط هذا الرعب والذعر. منذ اجتياح لبنان يتم تنظيم مظاهرات شعبيّة في تل- أبيب ومدن إسرائيلية أخرى؛ قبل أسبوع فقط تظاهر 400 ألف إسرائيلي ضد هذه الحرب القذرة التي، بالنسبة له، هي ليست بحربه، وكذلك ليست هي بحرب حكم بها إلهه، ذلك الإله الذي رضي بتعايش الفلسطيني مع اليهودي على مدى القرون. دولة إسرائيل يقطنها ثلاثة ملايين من البشر، فمظاهرة الـ 400 ألف هناك هي مظاهرة الثلاثين مليونًا في واشنطن.
كل مرّة أسمع فيها عن البيغينات والشارونات في لبنان أو أي قطر آخر بالعالم أتذكّر تلك المظاهرة الباطنيّة، تلك المظاهرة التي أريد ضمّ صوتي إليها، والذي هو صوت حب وتقدير لشعب عرفته فقط من خلال قراءة التوراة ولم أعرفه قط في أيامنا هذه. فإني لا أخاف الابتزاز باللاساميّة مثلما لم أخف أبدا الابتزاز باللاشيوعيّة, فهما منوافدان وأحيانا متعاقبان ويزرعان بذور ذات الفساد في عالمنا التعيس.
---------------------------------
المصدر:
اللجنة الديمقراطية الفلسطينية - تشيلي
Comité Democrático Palestino - Chile
(عن الإسبانية: شادي روحانا)

الأربعاء، 9 أبريل 2008

رودولفو والش: الثورة الفلسطينية - Rodolfo Walsh: La revolución palestina

مقتطفات من سلسلة مقالات لرودولفو والش بعنوان "الثورة الفلسطينية" (La revolución palestina) أثناء زيارته لمخيّمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان قي حزيران 1974, والتي قامت بنشرها صحيقة "نوتيسياس" في بوينوس آيريس. رودولفو والش كاتب وصحافي أرجنتيني; في سنوات السبعين انضمّ لحركة الغوريلا البيرونيّة "لوس مونتونيروس" (Los Montoneros) - أكبر حركة غوريلا مسلحة في تاريخ أمريكا اللاتينيّة - والتي أقامت مخيّم تدريب عسكري مع منظّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان. قُتل والش عام 1977على يد العصبة العسكريّة (ال"خونتا") الحاكمة, بحيث قامت مجموعة من الجنود الأرجنتينيين بإطلاق النار عليه في ظروف غامضة.





ثلاثة مليون مشرّد فلسطيني يتحدون أيّ تسوية سلميّة في الشرق الأوسط

- اسمك؟
- زكي.
- عمرك؟
- سبعة.
- أبوك عايش؟
- صار ميّت.
- شو كان يعمل أبوك؟
- فدائي.
- بس تكبر, شو بدّك تصير؟
- فدائي.

ذلك الصبي الأشقر ذات اللباس المخطط -والذي قابلته في مدرسة للأيتام جنوب بيروت- شرح لي بإجمال ما هو أفضل بديل متوفّر لثلاثة مليون مشرّد فلسطيني بعد 26 عاماً من الاحباط وخيبة أمل: صفوف الفدائيين والثورة الفلسظينيّة. "شعب فلسطيني؟ لم أسمع بأمر كهذا قط!" صرّحت رئيسة الحكومة الاسرائيلية السابقة غولدا مائير. نحن نعرف الحقيقة الخادعة التي تدعيها هذه المقولات; فذات المقولة سبق وسمعناها في الجزائر وفيتنام وأي مكان آخر أراد فيه المستعمِر انكاروجود حركات التحرّر الوطني بين الشعوب المستعمَرة. "العدو غير موجود وكل شيء على ما يرام"; في كل مرّة نطق فيها المستعمِر هذه الكلمات جرى هناك نهر من الدمّ, ولكن لا يوجد اي انسان على وجه الارض بمقدرته ايقاف مجرى التاريخ.


في البدء

في البدء –هكذا يقولون لنا- كان الكنعانيون, ومن بعدهم أتى العبرانيّون. ألف عام قبل ولادة المسيح أقام شاؤل مملكته التي لاحقا قُسِّمت. قبل 2,700 عام هدم الأشوريون مملكة اسرائيل. قبل 2,560 عام دمّر البابليون مملكة يهودا, وأخيراً عام 70 –في العهد الذي نعيش فيه- هُدمت أوراشليم على يد الرومان. هذه هي الأحداث التاريخيّة لدولة اسرائيل والتي تمنحها الشرعيّة لملكيّتها على فلسطين. ما الذي سيحدث اذا تذكّر الايرانيون الغزو الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد, واليونانيون احتلال اسكندر لفلسطين عام 331, واذا أخبروا بولس السادس عن الصليبيين في القدس عام 1099؟




حوار في غزّة

- حضرتك من وين؟
- أنا من يافا.
- وين عايش؟
-عايش بألب خيمة. حضرتك من وين؟
- أنا من بلغاريا.
- وين عايش؟
- عايش بيافا.

(عن أرليت تسيير)



السلام الاسرائيلي

السلام الاسرائيلي انشئ عند رحيل الفلسطينيين: عالم الرياضيات الايطالي يقطن بيت البقّال العربي; عالم الألسنة البريطاني بنى بيته على أنقاض البيت المهدوم; الرسّام الاستشراقي القادم من الحي اللاتيني في باريس الآن مُحاط بمناخ شرقي; ومهندس الزراعة الأرجنتيني ذهب الى الكيبوتس, حيث لم يتبقى أي شيء يذكر بوجود الفلاح الذي عمل هذه الأراضي مدّة ثلاثة عشر قرناً من أجل ذاك المهندس. أتسائل: ألا توجد عندنا أراضي في الأرجنتين؟


عن طريق المقاومة وجد االشعب الفلسطيني هويّته التي أضاعها الاحتلال

مخيّم برج البراجنة, جنوب بيروت. 20,000 لاجئ. المخيّم لم يعد مخيّم, انّه شبيه بحارة التنك الفقيرة "ريتيرو" في بوينوس آيريس: بيوت صغيرة مصنوعة من التنك وحنافيات عامّة; مثل الأرجنتيني في "ريتيرو" الفلسطيني يخصّص فسحة صغيرة خارج المسكن ليزرع شجيرة أو يضع مزهريّة. لكن هناك فوارق عدّة: مثلاً هنا في المخيّم لا يوجد شوارع بل ققط دهاليز; فالمساحة هنا تختلف عنها في الأرجنتين حيث مساحة ولاية "توكومان" وحدها تساوي ضعف لبنان. وهناك فرق آخر لم أدركه في البداية والذي قام باختراق ذاتي تدريجيّا خلال وجودي هنا; فالفرق هذا يشكّل الحقيقة الجوهريّة للمخيّم الفلسطيني: فهي الرجال ذو البذلات العسكريّة الجالسين وأيديهم قابضة على البندقيّة يحرسون المخيّم, هي قائد خليّة الميليشيا المحليّة الذي يخرج ليستقبلنا, هي باب الخشب الذي على طوله رسم اللاجئ الفلسطيني العلم بألوانه الأحمر, الأخضر, الأبيض والأسود وكتب عليه كلمة ما بالعربيّة. ادارياً, المخيّم يعتمد على الأمم المتّحدة. سياسياً, الكلمة هي "فتح".

--------------------------------

المصدر:

Equipo de investigaciones Rodolfo Walsh http://www.rodolfowalsh.org/spip.php?article2193

(عن الإسبانية: شادي روحانا)