الاثنين، 27 يناير 2014

مقطع من "معارك الصحراء" لخوسيه إميليو باتشيكو




The past is a foreign country. They do things differently there.
                                               - L.P. Hartley, The Go-Between

I. العالم القديم

أتذكّر، لا أتذكّر: أيّ عام كان ذاك؟ كان هناك سوبرماركت، ولم يكن تلفاز؛ كان الراديو، لوحده، مسكين، يبثّ لنا شتى المسلسلات: مغامرات كارلوس لاكروا، وطرزان، والرّاعي الوحيد، وفيلق الأطفال المبكّرين، والأساتذة الأطفال، وأساطير من شوارع المكسيك، والخبز الحافي المكرش، والدكتور IQ، وعيادة القلوب الحائرة مع الدكتورة كورازون. كان باكو مالخيستو يعلّق على مصارعات الثّيران؛ وكاروس ألبرت على مجرى مباريات كرة القدم؛ والماغو سيبتيين على البيسبول. كان انتشار أولى السيارات التي صُنعت بعد الحرب: باكارد، كاديلاك، بويك، كرايزلير، ميركوري، هادسون، بونتياك، دودج، بليموث، دي سوتو. كنا نذهب إلى السينما لمشاهدة أفلام أيرول فلين وتيرون باور؛ وفي ساعات النهار كانت تعرض جميع الحلقات لأحد المسلسلات، من أولها لآخرها. كان "غزو كوكب المونغو" هو المسلسل المفضل لديّ. أغاني الموضة كانت من نماذج أغنية Sin ti، أي "بدونك"، وLa rondalla، وLa burrita، أي "الحمارة الصغيرة"، وLa múcura، وAmorcito corazón، أي "قلبي حبيبي". انتشرت، من جديد، أغنية البوليرو القديمة من بويرتو ريكو، وقد كنّا نسمعها في كلّ مكان: "مهما كان علوالسماء / مهما كان عمق البحر/ حبي العميق لك سيحطّم كل جدار"، إلخ. 

كان ذاك العام عام البوليو، وهو شلل الأطفال، فكانت الدعامات الطبية تصطحب الأطفال إلى المدرسة؛ عام الحمّى القلاعيّة، فكانت الأبقار المريضة تعدم بالرصاص بعشرات الآلاف في جميع أنحاء المكسيك؛ عام الفياضانات، فكانت الناس تتنقل بين شوارع وسط البلد تجذيفا في المراكب. يقولون أنّه في العاصفة المقبلة سوف تفيض قنوات المجاري وتُغرق كل العاصمة. أمّا أخي يُجيب: ما همّ، في ظلّ نظام الرئيس ميغيل أليمان كلّنا نسبح في الخراء.

كان السيّد الرئيس في كلّ مكان: لوحات صخمة، بورتريهات تمجيدية مبالغ فيها. الصور متفشيّة في كلّ مكان، ترمز إلى "التقدّم" و"الحداثة" الذين تواكبهما المكسيك بقيادة الأب الإله ميغيل أليمان. الكاريكاتورات تمجّده، النصب تتذكّره. المديح يُشهر على الملأ، والسبّ يُطلق بين الحيطان يُصعب إشباعه. كنّا نكتب، عند معاقبتنا في المدرسة، كنّا نكتب "عليّ أن أكون مطيعًا، عليّ أن أكون مطيعًا، عليّ أن أكون مطيعًا لوالديّ ولأساتذتي"، ألف مرة. كنّا نتعلّم دروس في التاريخ الوطنيّ، واللغة الوطنيّة (أي الأسبانية)، وجغرافيا المكسيك العاصمة: أسماء الأنهر (لم يبقى منها شيئًا) والجبال (كانت لا تزال تلوح في الأفق). هكذا كان العالم القديم. كان الكبار يتذمّرون من غلاء الأسعار، والتحوّلات، وحركة السّير، والإنحرافات الأخلاقية، والضجيج، وتفشّي الجريمة، ووجود للبشر أكثر من اللّزوم، والأجانب، والفساد، والغناء الفاحش لحفنة من البشر،  بينما البؤس يحلّ تقريبًا على كل الناس. 

الصحف كانت تقول: العالم يمرّ في وقت عصيب. يطلّ علينا من الأفق شبح الحرب الأخيرة ونهاية العالم. سحابة عيش الغراب النوويّة هي الرّمز القاتم لعالمنا اليوم. ولكن، مع ذلك، كان هنالك أمل. إذ كانت كرّاساتنا المدرسيّة تعيد وتؤكد: إذا نظرنا على المكسيك في الخريطة نجدها على شكل الكورنوكوبيا، أي قرن الخيرات عند الرومان. فبحسب التنبؤات في عام 1980، الذي لم نخطّط إليه قطّ، سوف يكون بانتظارنا عالم يتمتّع فيه كافة المواطنين بالرفاهيّة الشاملة حتى التخمة، دون أن يدخلوا في تفاصيل عن كيفيّة الوصول إليه. ستكون المدن نظيفة، وخالية من الظّلم، والفقر، والعنف، والاكتظاظ، والزبالة. كل عائلة ستحظى ببيت أولترا-مودِرْن وإيرودينامي (هكذا كانت مصطلحات العصر). لن ينقص شيئًا. ستُختَرَع آلات تفعل عنك كل شيء. شوارع تصطفّ فيها الشجر والنوافير، تمرّ من بينها سيارات غير قادرة على الاصطدام، لا تطلق الدّخان ولا الضّجيج. جنّة عدن على الأرض.  المدينة الفاضلة بين أيدينا.

في الوقت نفسه، بدأت تظهر علينا علامات الحداثة. قمنا بإدخال كلمات جديدة إلى لغتنا، مصطلحات عديمة اللون كنّا قد سمعناها في الأفلام المكسيكية القديمة، ومن ثم أدرجناها في لغتنا بلا أيّ اكتراث حتى باتت مكسيكسية بامتياز: تِنْك يو، أوكي، واس  أمارا؟، شِراب!، سوري، وان مومنت بليز. بدأنا نأكل الهمبرغر، الباي، الدونات، الخوت دوغ، الميلك شيك، الأيس كريم، المرجرين، البينت باتر. الكوكا كولا أعدمت عصير الكركديه والنعناع والليمون. فقط من كان فقيرًا استمرّ في احتساء مشروب التيباتشي، الذي ورثناه من سكّان البلاد الأصليّين. أمّا أهالينا، فبدأت تتعوّد على  شرب  ما سمّته بالخايبول، أي الhighball، مع أن طعمه كان بالنسبة لهم كالدّواء. سمعت عّمي خوليان يقول ذات مرة: "ممنوع ادخال مشروب التاكيلا إلى بيتي، عندنا نقدّم لضيوفنا فقط الويسكي. علينا تطهيرذوق المكسيكيين."



خوسيه إميليو باتشيكو
(2014 - 1939)

----

المصدر:

Las batallas en el desierto
José Emilio Pacheco
México, Era, 1981

(عن الإسبانية: شادي روحانا)



السبت، 25 يناير 2014

La tragedia, la muerte, cuando pasa, no pasa desapercibida. Algunos indicios: i. La representación de "El fin del mundo" en lengua mexicana por los alumnos del Colegio de la Santa Cruz de Tlatelolco en 1533 (lo leí en José Trigo de Fernando del Paso); ii. la Virgen de Guadalupe es la "mujer vestida de sol, con la luna debajo de sus pies"; iii. سرايا بنت الغول; iv. las salidas de don Quijote; y v. el dolor.

الأحد، 3 نوفمبر 2013

عن التمرّد والثورة في الفن الكوبي





جيفارا مات؟ مقدّمة المترجم

في كتابه "قلق في الحضارة" (1930)، يتساءل فرويد: "فلئن كان ارتقاء الحضارة ينطوي على تشابهات كثيرة مع ارتقاء الفرد، ولئن كان كلا الارتقاءان يعتمدان وسائل عمل متماثلة، أفلن يكون من المباح لنا إصدار التشخيص التاليألم تصبح معظم الحضارات أو الحقب الثقافيّة بل ربما الإنسانيّة بأكملها 'معصوبة' [neurotic، أي مصابة بالاضطراب العصبيّبتأثير جهود الحضارة بالذات؟" بعبارة أخرىمثلما تمارس الأنا العليا (superego)، كذات مثاليّة داخل بنية الفرد النفسيّة، تمارس سلطتها المحاسبة والمعاقبة كرقيب نفسيّ على الفرد، هل بإمكاننا القول أن الطموحات السياسيّة والاجتماعيّة تشكّل بدورها سلطة طاغية على المجتمع الذي يفرزها، وهذا في كل ما تقوم به من نقد، وتوجيه، وثواب، وعقاب إذا تعثّر المجتمع في الوصول إليها؟

ابتكرت طموحات الثورة الكوبيّة العام 1959 ذاتًا متخيّلة جديدة، "الإنسان الجديد"، والذي هو الإنسان الكوبيّ الثوريّ الذي يحمل رموز الثورة ويمارس قِيمها كجزء فعّال من شعب يسعى نحو الحريّة وبناء الإشتراكيّة بقيادة الحزب الشيوعيّ وتحت وطأة الحصار الاقتصادي الظالم الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركيّةهذا "الإنسان الجديد"، بحسب إرنستو جيفارا، الذي صاغ هذا المصطلح في سياق الثورة الكوبيّة، ليس نتاج أيامنا هذه، بل هو إنسان المستقبل المثاليّ؛ هو الهدف بعينه ونهاية مطاف العمليّة الثوريّة الزاحفة نحو المستقبل، إذ أننا "ندفع كلّنا، بإنتظام، حصتنا من التضحيات، واعين أننا سنجد مكافأتنا في القيام بالواجب وفي التقدم معًا نحو الإنسان الجديد الذي يلوح في الأفق".

ولكن، في التسعينيّات، "تمثّل أمام أعين الشعب الكوبيّ انهيار هذه المدينة الفاضلة الممثّلة في الخطاب السياسي والفني مع انهيار ما كان يُعرف بالمعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقيّة"، وقد شكّل الأخير نموذجًا للحزب الشيوعيّ الكوبيّ في سعيه نحو بناء الاشتراكيّةماذا كان لهذا الانهيار من تداعيات على التعابير الفنيّة في كوبا، الموسيقيّة منها على وجه الخصوص؟ مع موت "الإنسان الجديد"، تلك "الذات الثوريّة المهيمنة [...]، التي أخذت تحدّد المعايير والثوابت التي بموجبها تُصنع الإبداعات الفنية"، تقول الكاتبة الكوبيّة أماريليس بيريز فيرا، قد وصلت عمليّة إفراغ رموز الثورة والدولة الكوبيّة والشيوعيّة الدوليّة من مضمونها ذروتهافي هذه المقالة، تقدّم الزميلة أماريليس بعض النماذج الموسيقيّة التي تحاول من خلالها ليس فقط سدّ هذا الفراغ، إنما أيضًا تقديم المجتمع الكوبيّ بكافة أطيافه وألوانه ورؤاه المختلفة.


المقالة المترجمة على صفحة معازف:

الجمعة، 13 سبتمبر 2013



"شعبي"
عن موسيقى المصريّين (دون المصريّات؟) الشعبيّة
La propensión a borrar los rasgos individuales de un objeto se halla en relación directamente proporcional con la distancia emotiva del observado.


-- Carlo Ginzburg, Indicios