السبت، 17 مايو 2014

الحقيقة حول سَنشو بَنسا


بدون الإبداء بأي مظهرٍ من مظاهر التكابر أو المباهاة، نجح سَنشو بَنسا، في غضون سنوات، مغذّيًا إيّاه، أي الجنّ، بعدد هائل من كتب الفروسيّة والروايات الصعلوكيّة، منكبًا عليها في ساعات الليل والمساء، وبهذا أشغله، أي أشغل الجنّ الذي يسكنه، عنه، ذلك الجنّ الذي أطلق عليه فيما بعد اسم دون كيخوتِ، نجح في طرد هذا الجنّ وجعله عندئذ ينطلق، على هواه، في رحلة من المغامرات أشدّها جنونًا، ولكنّها، أي المغامرات، لم تُلحِق، لإفتقارها إلى ضحيّة ما يقع عليها القدر المحتم، تلك الضحية التي كان ينبغي عليها أن تكون سَنشو بَنسا بنفسه، لم تُلحِق الضرر بأحد. حرّ الإرادة، رافق سَنشو بَنسا دون كيخوتِ في تجواله بهدوء، ربّما بفضل الشعور بالمسؤولية الذي انتابه، وبهذا نال متعة عظيمة وبنّاءة حتى آخر أيّامه. 

(فرانس كافكا)




(عن بعض الترجمات الإنكليزية والأسبانية عن الألمانية)

السبت، 3 مايو 2014

el colombiano en árabe, take #2:



 هل هناك هوروسكوب لتاريخ الوفاة؟ هل هناك أبراج\رموز تجمع تحت كنفها كل من توفيّ في نفس الدورة من دوران الواكب؟ دار في ذهني هذا التساؤل عند وصولي نبأ وفاة الصيدليّ الفلسطينيّ فخري جداي في يافا يوم بعد من وفاة غابرييل غارسيا ماركيز. اتّسمت مسيرة الإثنين في عزلة هائلة في باطنهما، كان يُفرج عنها ببعض الأحاديث وتعابير الوجه (مثلما هو حال الكثيرين من عاشوا القرن العشرين القصير من أوّله لآخره وشهد أحداثه العجيبة)، وبعض الكتابات هنا وهناك، مثل تقرير للأمم المتحدة عن عزلة الفلسطينيّين في ظلّ الحكم العسكري في أرضهم بعد قيام إسرائيل، أو رواية ملحمية عن عزلة قارة بأسرها عبر مئات السنين. فلكلّ منّا، بالآخر، عالمه وكواكبه الخاصة به.
  ما تبقّى لنا اليوم، ونحن على عتبة قرن قد يكون أعجب وأطول من الذي قبله، ونحن نعيش الأحداث المؤسفة التي حذّر منها فخري وغابو، أي فقدان الذاكرة، انتشار الأسلحة النووية والذكية، واحتقار حياة البشر، الأحياء والأموات منها على حد سواء؟
  كتب غابرييل غارسييا ماركيز هذه المقالة في أعقاب ارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا، ونُشر في صحيفة "إل إكسبريسو" الإكوادورية في الثالث من تشرين أول أكتوبر، أي ثلاثة أسابيع قبل حصوله على جائزة نوبل للآداب من الأكاديمية السويدية. نُشرت هذه الترجمة العربية في ملحق صحيفة الإتحاد الحيفاوية عام 2008.